فصل: قال التستري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال التستري:

قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ الله} [1]
قال: إذا جاء نصر الله لدينك والفتح لدينك.
{وَرَأَيْتَ الناس} [2] وهم أهل اليمن.
{يَدْخُلُونَ فِي دِينِ الله أَفْوَاجًا} [2] زمرًا، القبيلة بأسرها، والقوم بأجمعهم، فانصر روحك على نفسك بالتهيؤ للآخرة لأنه منها، فالنفس تريد الدنيا لأنها منها، والروح تريد الآخرة لأنه منها، فانصر على النفس وافتح له باب الآخرة بالتسبيح والاستغفار لأمتك.
وكان يستغفر بعد ذلك ويسبح بالغداة مائة مرة، وبالعشي مائة مرة، واجتهدَ في العبادة ليلًا ونهارًا حتى تورمت قدماه، واحمرت عيناه، واصفرت وجنتاه، وقلّ تبسمه، وكثر بكاؤه وفكرته.
وقد حكي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لما نزلت هذه السورة واستبشر بها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بكى أبو بكر رضي الله عنه بكاء شديدًا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يبكيك؟ قال: نعيت لك نفسك يا رسول الله. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: صدقت. ثم قال: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل» وهذا تعليم لأمته بالدين والتسبيح.
وقد قال الربيع بن خثيم رحمه الله تعالى: أقلوا الكلام إلا من تسع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وقراءة القرآن، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، ومسألة خير، وتعوذ من شر.
{إِنَّهُ كَانَ تَوَّابَا} [3] أي رجاعًا يقبل التوبة، كلما تاب العبد إليه.
واعلم أن إلهنا أكرم من أن يكون معك على نفسك، فإنه قال: {إِنَّ الله يُحِبُّ التوابين} [البقرة: 222] فإن كنت عليها كان معها بالعفو، وإن كنت معها على أمر الله ونهيه كان عليك، فمن وافق أمر الله على هواه كان ناجيًا، ومن وافق هواه على أمر الله كان هالكًا، وإنّ أمر الله تعالى مرّ وهوى النفس حلو، فما مثالها إلا كالأطعمة اللذيذة قد يحصل فيها الصبر، والدواء يشرب مع مرارته لما جعل فيه من المنافع.
وكان بعض الصالحين يقول: واسوأتاه، وإن عفوت.
فمنهم من يحذر الرد، ومنهم من يبكي خجلًا، وإن عفي عنه. والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ.

.من فوائد الجصاص في السورة الكريمة:

قال رحمه الله:
وَمِنْ سُورَةِ إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ:
قوله تعالى: {إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}؛ رُوِيَ أَنَّهُ فَتْحُ مَكَّةَ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ اللَّفْظِ يَقْتَضِيهِ وَلَا يَنْصَرِفُ إلَى الصُّلْحِ إلَّا بِتَقْيِيدٍ.
وَقوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّك وَاسْتَغْفِرْهُ}؛ رَوَى أَبُو الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قالتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقول فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: «سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي يَتَأَوَّلُ القرآن».
وَرَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قالتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقول قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ: «سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أَسْتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْك» قالتْ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الْكَلِمَاتُ الَّتِي أَرَاك قَدْ أحدثْتهَا؟ قال: «جُعِلَتْ لِي عَلَامَةٌ فِي أُمَّتِي إذَا رَأَيْتهَا قُلْتهَا إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ إلَى آخِرِهَا».
آخِرُ السُّورَةِ. اهـ.

.من فوائد ابن العربي في السورة الكريمة:

قال رحمه الله:
سورة النصر فِيهَا آيَةٌ واحدة:
قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّك وَاسْتَغْفِرْهُ إنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
المسألة الْأُولَى:
رَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ فَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ وَجَدَ نَفْسَهُ، فَقال: لِمَ يَدْخُلُ هَذَا مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ؟ فَقال عُمَرُ: إنَّهُ مَنْ قَدْ عَلِمْتُمْ.
فَدَعَانِي ذَاتَ يَوْمٍ فَأَدْخَلَنِي مَعَهُمْ، فَمَا رَأَيْت أَنَّهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إلَّا لِيُرِيَهُمْ، فَقال: مَا تَقولونَ فِي قوله تعالى: {إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}؟ فَقال بَعْضُهُمْ: أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ، وَنَسْتَغْفِرَهُ إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ، وَفَتَحَ عَلَيْنَا. وَسَكَتَ بَعْضُهُمْ، فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا. فَقال لِي: كَذَلِكَ تَقول يَا ابْنَ عَبَّاسٍ؟
قلت: لَا.
قال: فَمَا تَقول؟
قلت: هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْلَمَهُ بِهِ؛ قال لَهُ: {إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فِي ذَلِكَ عَلَامَةُ أَجَلِك، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّك وَاسْتَغْفِرْهُ إنَّهُ كَانَ تَوَّابًا. فَقال: لَا أَعْلَمُ مِنْهَا إلَّا مَا تَقول.
المسألة الثَّانِيَةُ:
رَوَى الْأَئِمَّةُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ قالتْ: مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةً بَعْدَ إذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ: {إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} إلَّا يُكْثِرَ أَنْ يَقول: «سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي».
وَعَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقول فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: «سُبْحَانَك اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِك اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي يَتَأَوَّلُ القرآن».
وَقال أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي قال: «قُلْ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، رَبِّي إنِّي ظَلَمْت نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِك، وَارْحَمْنِي إنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ».
المسألة الثَّالِثَةُ:
ماذا يُغْفَرُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ رَوَى الْأَئِمَّةُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقول: «رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي كُلِّهِ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَئِي وَعَمْدِي وَجَهْلِي وَهَزْلِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْت وَمَا أَخَّرْت، وَمَا أَسْرَرْت وَمَا أَعْلَنْت، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».
قال الْقَاضِي: وَأَنَا أَقول: كُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي مُضَاعَفٌ، وَهُوَ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ بَرِيءٌ.
وَلَكِنْ كَانَ يَسْتَقْصِرُ نَفْسَهُ لِعَظِيمِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَيَرَى قُصُورَهُ عَنْ الْقِيَامِ بِحَقِّ ذَلِكَ ذُنُوبًا؛ فَأَمَّا أَنَا فَإِنَّمَا ذُنُوبِي بِالْعَمْدِ الْمَحْضِ، وَالتَّرْكِ التَّامِّ، وَالْمُخَالَفَةِ الْبَيِّنَةِ، وَاَللَّهُ يَفْتَحُ بِالتَّوْبَةِ وَيَمُنُّ بِالْعِصْمَةِ بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، لَا رَبَّ سِوَاه. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
سورة النصر:
{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)}
قوله: {نَصْرُ الله}: مصدرٌ مضافٌ لفاعلِه، ومفعولُه محذوفٌ لفَهْمِ المعنى، أي: نَصْرُ اللَّهِ إياك والمؤمنين. وكذلك مفعولَيْ (الفتح) ومُتَعَلَّقَهُ. والفتح، أي: فَتْحُ البلادِ عليك وعلى أمتِك. أو المقصود: إذ جاء هذان الفعلان، مِنْ غير نظرٍ إلى متعلَّقَيْهما كقوله: {أَمَاتَ وَأَحْيَا} [النجم: 44]. وأل في الفتح عِوَضٌ مِنْ الإِضافة، أي: وفَتْحُه، عند الكوفيين، والعائدُ محذوفٌ عند البصريين، أي: والفتحُ مِنْه، للدلالةِ على ذلك. والعاملُ في (إذا): إمَّا {جاء} وهو قول مكي، وإليه نحا الشيخ ونَضَرَه في مواضعَ وقد تقدَّم ذلك كما نَقَلْتُه عن مكيّ وعنه.
والثاني: أنه {فَسَبِّحْ} وإليه نحا الزمخشريُّ والحوفيُّ. وقد رَدَّ الشيخُ عليهما: بأنَّ ما بعد فاءِ الجواب لا يعملُ فيما قبلَها. وفيه بحثٌ تقدَّم بعضُه في سورةِ والضُّحى.
{وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2)}
قوله: {يَدْخُلُونَ} إمَّا حالٌ إنْ كان {رَأَيْتَ} بَصَريةً وفي عبارة الزمخشري: إنْ كانَتْ بمعنى أبَصَرْتَ أو عَرَفْتَ. وناقشه الشيخُ: بأنَّ رَأَيْتَ لا يُعْرَفُ كونُها بمعنى عَرَفْتَ.
قال: فيَحْتاج في ذلك إلى استثباتٍ. وإمَّا مفعولٌ ثانٍ إن كانت بمعنى عَلِمْتَ المتعدية لاثنين. وهذه قراءة العامَّةِ أعني: يَدْخُلون مبنيًا للفاعل. وابن كثير في رواية: {يُدْخَلون} مبنيًا للمفعول و{في دين} ظرفٌ مجازيٌّ، وهو مجازٌ فصيحٌ بليغٌ هنا.
قوله: {أَفْوَاجًا} حالٌ مِنْ فاعل {يَدْخُلون} قال مكي: وقياسُه أفْوُج. إلاَّ أنَّ الضمةَ تُسْتثقلُ في الواوِ، فشَبَّهوا فَعْلًا يعني بالسكون بفَعَل يعني بالفتح، فجمعوه جَمْعَه. انتهى. أي: إنَّ فَعْلًا بالسكون قياسُه أَفْعُل كفَلْس وأَفْلُس، إلاَّ أنه اسْتُثْقِلت الضمةُ على الواو فجمعوه جَمْعَ فَعَل بالتحريكِ نحو: جَمَل وأَجْمال؛ لأنَّ فَعْلًا بالسُّكون على أَفْعال ليس بقياسٍ إذا كان فَعْلٌ صحيحًا نحو: فَرْخ وأفراخ، وزَنْد وأزناد، ووردَتْ منه ألفاظٌ كثيرةٌ، ومع ذلك فلم يَقيسوه، وقد قال الحوفيُّ شيئًا مِنْ هذا.
قوله: {بِحَمْدِ رَبِّكَ} حالٌ، أي: مُلْتبسًا بحمده، وتقدَّم تحقيقُ هذا في البقرة عند قوله: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} [البقرة: 30]. اهـ.